الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{كلا} [15] ليس كذلك، أي: لا ينجيه شيء.{إنها لظى} [15] لا ينصرف للتأنيث والتعريف، وهي من الالتظاء، أي: الاتقاد. {نزاعة للشوى} [16] لجلدة الرأس. والضمير في (إنها) اسم (أن)، و(لظى) خبره، و{نزاعة} خبر بعد خبر، من باب إنه حلو حامض.{تدعوا من أدبر} [17] لما كان مصيره إليها، كانت كأنها دعته.{وجمع فأوعى} [18] أي: جعله في وعاء، فلم يفعل زكاة، ولم يصل رحما.{خلق هلوعا} [19] سأل محمد بن عبد الله بن طاهر ثعلبا: عن الهلوع؟ فقال: ما فسره الله، ولا يكون تفسيرا أحسن منه: {إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا} [20، 21].{والذين هم على صلاتهم يحافظون} [34] أي: النافلة، لتقدم قوله: {على صلاتهم دائمون} [23] وهي: الفريضة.{مهطعين} [36] مسرعين، ذم إسراعهم، لأن قصدهم تسمع الحديث، ليتفرقوا بالتكذيب.{عزين} [37] جماعات في تفاريق، واحدها عزة. قال الشاعر: {إلى نصب} [43] إلى شيء منصوب، مصدر بمعنى المفعول، مثل نسج بغداد، وضرب الأمير.{يوفضون} [43] يسرعون.تمت سورة المعارج. اهـ.
وقال آخر: الألف فيه للإطلاق والروى، وإلا فهو مفرد يعود على الليل، وقول الآخر في هذا أيضا: قال تعالى: {فاصْبِرْ صبْرا جمِيلا} 5 لا جزع فيه، راجع الآية 83 من سورة يوسف المارة {إِنّهُمْ} كفرة قومك {يروْنهُ} أي العذاب الذي أو عدتهم به {بعِيدا ونراهُ قرِيبا} 6 7 لأنه آتيهم حتما وكل آت قريب لاسيما وأن إنزاله بيدنا لا يمنعنا من صبه عليهم مانع، وليعلموا أن علامته نزول العذاب الأكبر الذي لابد من وقوعه، لأن عذاب الدنيا قد يكون وقد لا يكون لأسباب نعلمها، أما عذاب الآخرة فيكون {يوْم تكُونُ السّماءُ كالْمُهْلِ} 8 مثل عكر الزيت أو الفضة المذابة {وتكُونُ الْجِبالُ كالْعِهْنِ} 9 الصوف المصبوغ ألوانا كثيرة لأن الجبال ذات ألوان منها الأحمر والأسود والأصفر والأبيض، فتكون هباء منثورا كالصوف المندوف إذا طيرته الرياح، إنما شبهها بالصوف لأنها إذا لبست بعضها ببعض بأن خلطت وسيرت أشبهته بألوانه المذكورة وما بينها {ولا يسْئلُ} حينذاك {حمِيمٌ حمِيما} 10 عن حاله وما حل به، لا لأنهم لا يرى بعضهم بعضا، ولكن لشدة الهول، إذ يشتغل كل بنفسه، ولهذا قال تعالى: {يُبصّرُونهُمْ} يشاهدونهم ويعرفونهم، ولكن لا يتكلمون معهم، ولشدة الفزع {يودُّ الْمُجْرِمُ لوْ يفْتدِي مِنْ عذابِ يوْمِئِذٍ بِبنِيهِ وصاحِبتِهِ} 11 زوجته التي لا يمكن أن يفتدي بها في الدنيا إلا أن يطلقها، أما في الآخرة فإنها تهون عليه وينسى الغيرة والمروءة {وأخِيهِ} 12 أيضا لو قدر أن يفدي نفسه به لفداها {وفصِيلتِهِ} عشيرته {الّتِي تُؤْوِيهِ} 13 بالدنيا مما يخاف ويأوي إليها عند الشدائد لو أمكن لفداها كلها بنفسه، بل {ومنْ فِي الْأرْضِ جمِيعا} لو كان في ملكه وأمكنه قبول الفداء بهم {ثُمّ يُنْجِيهِ} 14 من عذاب اللّه لفعل، ولكن لا ينجيه شيء أبدا إلا رحمة اللّه وهي بعيدة منه، راجع الآية 34 من سورة عبس، قال تعالى: {كلّا} لا ينجيه أحد أصلا {إِنّها} المخصصة لعذاب المجرم هي {لظى} 15 أحد طبقات جهنم المعدة لمن يثبت عليه الجرم العظيم في الموقف بعد الحساب ويحكم عليه بفصل القضاء بأن يعذب فيها، ولا يسمى مجرما إلا بعد ذلك، وهكذا في الدنيا يكون مدعى عليه بمجرد الدعوى عليه، وعند وجود امارة على اقترافه الجرم يسمى ظنينا، وعند تواتر الأدلة يسمى متهما، وعند الثبوت يسمى مجرما، ثم محكوما.ومن أوصاف هذه النار أنها {نزّاعة لِلشّوى} 16 أطراف الجسد كاليدين والرجلين بمجرد طرحهم فيها، والنزع الجذب بقوة، أي أنها مفرقة لأعضاء الإنسان {تدْعُوا} إليها كل {منْ أدْبر} عن الإيمان {وتولّى} 17 عن الحق {وجمع} مالا من غير حله {فأوْعى} 18 خزنه في الأوعية ولم ينفقه في وجوه البر ولم يؤد حق اللّه منه لعياله.وقال بعضهم معنى أوعى تعذّب يقول الأعرابي: وهاك اللّه أي عذّبك.ومن ورع عبد اللّه بن حكيم أنه كان لا يربط كيسه، فقيل له في ذلك فقال سمعت اللّه يقول جمع فأوعى، ومتى ما ربطته فقد أوعيته.{إِنّ الْإِنْسان خُلِق هلُوعا} 19 جنسا وجبلة طبع على الهلع الذي فسره اللّه بقوله: {إِذا مسّهُ الشّرُّ جزُوعا وإِذا مسّهُ الْخيْرُ منُوعا} 20 21 وإذا أعطي المال لم ينفق، وإذا أصابه الفقر لم يصبر، ثم استثنى اللّه عز وجل من ذلك الجنس نوعا مخصوصا بقوله: {إِلّا الْمُصلِّين} 22 وهذا استثناء اجمع من الواحد الذي فيه معنى الجمع كالإنسان، ثم وصف المصلين بقوله: {الّذِين هُمْ على صلاتِهِمْ دائِمُون} 23 مواظبون على إقامتها {والّذِين فِي أمْوالِهِمْ حقٌّ معْلُومٌ} 24 عندهم فرضوه على أنفسهم بحسب ما تجود به أنفسهم وأريحيتهم وخصصوه {لِلسّائِلِ والْمحْرُومِ} 25 المتعفف عن السؤال الذي يظن به عدم الحاجة {والّذِين يُصدِّقُون بِيوْمِ الدِّينِ} 26 يوم القضاء والجزاء {والّذِين هُمْ مِنْ عذابِ ربِّهِمْ مُشْفِقُون} 27 خائفون وجلون {إِنّ عذاب ربِّهِمْ غيْرُ مأْمُونٍ} 28 فلا يقدر أحد مهما كان على درجة عالية في الإخلاص أن يقطع بأمنه من عذاب اللّه، إذ لا يخلو من التقصير بحقه، والأعمال الصالحة مهما كثرت لا توازي نعمة جارحة واحدة من الإنسان {والّذِين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُون} 29 صائنون لها عن كل ما حرم اللّه {إِلّا على أزْواجِهِمْ} يشمل الرجال والنساء والعبيد والإماء {أوْ ما ملكتْ أيْمانُهُمْ} خاص بالذكور فقط، إذ لا يحل للنساء إلا الاستفادة من خدمتهم فقط {فإِنّهُمْ غيْرُ ملُومِين} 30 بذلك وإن كثروا من الزوجات والإماء ضمن حدود الشرع {فمنِ ابْتغى وراء ذلِك} من الزوجات والإماء للرجال ومن الأزواج فقط للنساء {فأُولئِك هُمُ العادُون} 31 المتجاوزن ما أحلّ اللّه لهم إلى ما حرم عليهم، وقد فصلنا ما يتعلق في هذا البحث في الآية 6 من سورة المؤمنين المارة، وذكرنا أيضا بأنها ليست بناسخة لآية المتعة المزعومة الواردة في سورة النساء ج 3 فراجعها، {والّذِين هُمْ لِأماناتِهِمْ وعهْدِهِمْ راعُون} 32 محافظون لا يخونون الأمانة ولا ينقضون العهد ولا يخلفون الوعد ولا يغدرون ولا ينكثون، راجع الآية 8 من سورة المؤمنين والآية 34 من الإسراء، {والّذِين هُمْ بِشهاداتِهِمْ قائِمُون} 33 بها أمام الحكام لإظهار الحقوق بلا ميل ولا ترجيح بين القوي والضعيف والوضيع والشريف، راجع الآية 32 من سورة الفرقان ج 1، وله صلة في الآية 283 من سورة البقرة ج 3، {والّذِين هُمْ على صلاتِهِمْ يُحافِظُون} 34 على أوقاتها وشروطها وأركانها على أكمل وجه، راجع الآية 8 من سورة المؤمنين المارة، ولها صلة في الآية 238 من البقرة أيضا، {أُولئِك} الجامعون لهذه الصفات الكريمة {فِي جنّاتٍ مُكْرمُون} 35 عند ربهم، ويؤذن وصف المصلّين بما ذكر أن الصلاة وحدها ما لم تكن تلك الصفات منضمة إليها لا تكفي للخلاص من اللّه ولا تؤهل صاحبها دخول الجنة بانفرادها، وهو كذلك واللّه أعلم {فمالِ الّذِين كفرُوا} أي شيء جرى لهم ما بالهم {قِبلك} يا سيد الرسل {مُهْطِعِين} 36 مادي أعناقهم نحوك وهم مديمو النظر إليك متطلعون لحهتك {عنِ الْيمِينِ وعنِ الشِّمالِ عِزِين} 37 جماعات وفرقا محلّقين بأطرافك، يستهزئون بك وبما أنزل عليك، نزلت هذه الآية في جماعة من قريش كانوا يحيطون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويسمعون كلامه ولا يتأثرون منه، ويقولون إن دخل أصحاب محمد الجنة التي يذكرها ويصفها بقوله لندخلنها قبلهم.فرد اللّه عليهم بقوله: {أ يطْمعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أنْ يُدْخل جنّة نعِيمٍ} 38 مثل أصحابك {كلّا} يا سيد الرسل لا يدخلونها أبدا ماداموا على كفرهم، لأن أمثالهم ليسوا من أهل الجنة، إذ لا يدخلها إلا الطاهرون من الشرك والكفر {إِنّا خلقْناهُمْ مِمّا يعْلمُون} 39 من نطفة قذرة، وهذه الجملة جارية مجرى المثل تعريضا عما يستقبح ذكره، لأن النطفة من مصب يتحاشى عن التصريح به، ولذلك أبهمه تعالى وتنزه.وهذا من آداب القرآن العظيم الواجب على الناس التأدب بآدابه، وأن يجتنبوا التصريح في كل ما من شأنه كتمه بل يومئون إليه إيماء ويعرضون تعريضا، والمعنى أن هؤلاء الكفار يدعون الشرف والفضل على أصحاب محمد، وهم وإن كانوا جميعا خلقوا من أصل واحد وشيء واحد كما ذكروا، إلا أن البشر يتفاضل بالأعمال والمعارف، والجنة لا تكون إلا للصالحين من البشر المخلصين، لا للأكابر والأغنياء وأهل الأنساب غير المتصفين بالصلاح.روى البغوي بإسناد الثعلبي عن بشر بن جحاش قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم- وبصق يوما في كفه ووضع عليها إصبعه- فقال يقول اللّه عز وجل: «يا ابن آدم أنّى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سويتك وعدلتك ومشيت بين بردين والأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق، وآن أوان الصدقة».{فلا} ليس الأمر كذلك {أُقْسِمُ بِربِّ الْمشارِقِ والْمغارِبِ} مشرق كل يوم من السنة ومغربها {إِنّا لقادِرُون} 40 على إهلاكهم جميعا بلحظة واحدة و{على أنْ نُبدِّل خيْرا مِنْهُمْ} فتخلق خلقا أحسن منهم طاعة وتصديقا كما أهلكنا القرون الأولى واستبدلنا بهم غيرهم وهو أهون علينا {وما نحْنُ بِمسْبُوقِين} 41 ولا عاجزين عن ذلك ولا مغلوبين عليه ولا يفوتنا أحد بذلك {فذرْهُمْ} يا سيد الرسل {يخُوضُوا} في أباطيلهم {ويلْعبُوا} في لهوهم {حتّى يُلاقُوا يوْمهُمُ الّذِي يُوعدُون} 42 وهو {يوْم يخْرُجُون مِن الْأجْداثِ} القبور {سِراعا} لإجابة الداعي يوم ينفخ في الصور النفخة الثانية {كأنّهُمْ إِلى نُصُبٍ} شيء منصوب كالعلم والراية وشبهها {يُوفِضُون} 43 يستبقون إليه أيهم يصله قبل كما كانوا يتسابقون إلى أصنامهم في الدنيا ولكنهم {خاشِعة أبْصارُهُمْ} لما لحقهم من الخوف والفزع والهوان خاضعين {ترْهقُهُمْ ذِلّةٌ} وتعشاهم مذلّة وحقار بخلاف حالتهم في الدنيا، إذ كانوا ضاحكين بهيجين لأنهم لم يحسبوا لهذا اليوم حسابه {ذلِك} اليوم الموصوف بما ذكر الذي ظهر لهم عيانا واعترفوا به {الْيوْمُ الّذِي كانُوا يُوعدُون} 44 به على لسان رسلهم في الدنيا والذي كانوا يكذبون به.وقد ختمت هذه السورة بمثل ما ختمت به سورة الذاريات فقط.هذا واللّه أعلم، واستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. اهـ.
|